• 2022-02-24

شذرات

مصيبة فقْد الأحِبَّة

الموت حق مكتوب على كل أحد كائناً من كان..
ولو كانت الدنيا تدوم لواحدٍ *** لَكان رسول الله فيها مخلَّدا
ولكن فراق الأحِبَّة مصيبة عظيمة، ورَزيَّة جسيمة يدمَى لها الفؤاد، وتتقطع لها نياط القلب، فكم ودَّعنا من أخٍ حبيب، وصاحب وقريب، فارَق هذه الدنيا الفانية، تاركاً في قلوبنا لوعة الفراق، وألم الفقْد.. غير أننا لا نملك إلا أن نقول ما يُرضي ربنا، موقنين بحقيقة (إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون).
فقْدُ الأحِبَّة وفِراقُهم مصيبة تستدعي أنْ نقف عندها متفكرين متدبرين متأملين، وأنْ نأخذ منها الدروس والعظات والعبر.
الموت باب وكل الناس داخله *** فليت شعري بعد الباب ما الدارُ
الدار جنات عدن إنْ عَمِلْت بما *** يرضي الإله وإنْ خالفت فالنارُ
هما محلان ما للناس غيرهما *** فانظر لنفسك ماذا أنت تختارُ
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"، وكان ابن عمر يقول: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك".
سبَقَنا أحبابنا إلى الموت، وإنَّا إنْ شاء الله بهم لَلاحقون، وإلى ما صاروا إليه صائرون، وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، فهلَّا أعددنا لهذه الرحلة زاداً نتَبَلَّغ به؟! وهلَّا قدمنا للقاء الله من العمل الصالح ما يكون ذخراً لنا في حياتنا الباقية؟! {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا}.
تزوَّد للذي لابد منه *** فإن الموت ميقات العبادِ
وتب مما جنيت وأنت حيٌّ *** وكن متنبهاً قبل الرقادِ
ستندم إنْ رحلت بغير زادٍ *** وتشقى إذْ يناديك المنادي
أترضى أن تكون رفيق قومٍ *** لهم زادٌ وأنت بغير زادِ؟!
حقيقة موت الأحِبَّة، تؤكد في نفوسنا الحاجة إلى سلامة الصدور، وطهارة النفوس والقلوب، ودوام المسامحة والتسامح، والتغافل عن الزلات، وتقديم العذر في الأخطاء والهَنات، والتغاضي عن الملاحظات، فبحر الأُخُوَّة لا يعكر صفوَه موقف، ولا تغيِّر ماءه الزُّلال كلمة عابرة، وإن الماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث.
نحتاج ونحن نرى مصيبة فقْد الأحِبَّة تتخطَّف رفاق الدرب واحداً تلو الآخر، أنْ نستثمر محبتنا وعلاقاتنا فيما يُبقِيها مستمرة بعد الفراق، وأن نتعاهد على الصحبة الصالحة، والمحبة في الله، نقضي بها الدنيا مجتمعين على طاعته، لننعم هناك مجتمعين في مستقر رحمته {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ}.
اللهم ارحم مَن سبقونا إليك، وصاروا اليوم بين يديك، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تَفْتِنَّا بعدهم، واغفر لنا ولهم {وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}.
والله من وراء القصد.